معلمة الرياضيات في عيني

من طرف MeMo الجمعة مارس 21, 2008 9:21 pm

معلمة
الرياضيات في عيني

هذه بعض الخواطر التي راودتني وأنا أبدأ عملي معلمة
لمادة الرياضيات في إحدى مدارس وكالة الغوث، أرجو أن يجد فيها معلمو الرياضيات
ومعلماتها المتعة والفائدة معاً.

الرياضيات رياضة للعقل الإنساني، يتم فيها تنشيط
الخلايا؛ لتتذكر ما تم عمله سابقاً، ثم وضعه كأساس لبناء بيانات جديدة، فتكون
النتيجة ربط بين معلوماتٍ سابقة ومعلومات جديدة تتم إضافتها للمساحة المخصصة
لتخزين المعلومات في دماغ الإنسان لحين الحاجة لاسترجاعها، باعتبارها معلومات
سابقة لعملية بناء أخرى. وهنا أتذكر أنه
قد اكتُشفَ بأنه لو تمت تغذية المخ بمعلومات جديدة تساوي عَشر معلومات في كل ثانية
ولمدة ستين سنة دون توقف من ليلٍ أو نهار، فإن مقدار ما تتم تغذيته في مخ الإنسان
من هذه المعلومات يعادل أقل من نصف المساحة المخصصة لتخزين المعلومات فيه، وهذا
يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.

عندما تبدأ بدراسة موضوعٍ ما في الرياضيات، فإنه يتوجب
عليك أولاً أن تضع في ذهنك أنك قادر على فهمه والتعامل معه؛ فالاعتقاد هو أساس
العمل. وهذا هو السبب في أن كثيراً من
المتعلمين لا يحبون حصة الرياضيات؛ فهي تبدو لهم صعبةً أو مملة، أو أنهم غير
قادرين على فهمها والتواصل مع مدرسها، وهذا طبعاً يعكس الكراهية والصعوبة من
اعتقادٍ إلى سلوك، فترى الطالب لا يهتم بالحصة، ولا بما يقوله المعلم، أو بالواجب
أو بالدراسة ككل. وهنا يبدأ عمل المعلم،
فهو الشخص القادر على تغيير هذه النظرة وهذا الاعتقاد لدى الطالب، وذلك من خلال إجراءات
عدة، منها:

1. تحديد الأهداف
المراد تحقيقها أمام الطالب في الحصة الواحدة؛ فهذا يجعله مرتبطاً بالدرس. ويفضل أن تكون الأهداف مناسبة (اثنان أو ثلاثة
على الأكثر)؛ فهذا يزيد من التفاؤل لدى الطلبة.

2. التنويه للطالب
عن الرياضيات وأهميتها في حياتنا، وعن العلماء مع ذكر قصص عنهم. ويمكن عمل مسرحية أو تمثيلية قصيرة لشخصية لها
علاقة بالرياضيات.

3. استخدام الوسائل
التعليمية التعلمية التي تبسِّط الموضوع.

4. استخدام الألفاظ
التي تهتم بنفسية الطالب. فمثلاً؛ إذا كان
الموضوع صعباً يمكن بعد تحقيق الهدف الأول أن يقول المعلم: ها نحن قد انتهينا من
نصف الموضوع، والباقي أسهل، وستسرون منه.

5. شخصية المعلم
نفسها تؤثر على الطالب، فإذا كان المعلم يبدي حبه للرياضيات وحبه لتعليم الطالب،
وكان حسن التعامل مع الطلاب، فهذا سيكون له أثره الإيجابي، وسينتقل حب الرياضيات
إلى عدد كبير من الطلبة.

الرياضيات تعتبر مساحة للتفكير والإبداع، ومجالاً
لابتكار طرق جديدة من خلال المسائل الرياضية التي تقبل تعدد الحلول. ومن خلال مادة الرياضيات، يمكن اكتشاف الطلبة
المبدعين، ثم التعامل معهم بشكل خاص، بحيث تتم تنمية ذكائهم للاستفادة منه.

الرياضيات مادة ممتعة، وهي مجال لصنع الفوازير والألغاز
والمسابقات التي تهتم بالذكاء وأساليب التفكير.
فعندما تبدأ بدراسة الرياضيات أغلق الباب، ولا تترك المجال لأحد أن يقاطعك؛
فهذا الوقت هو وقتك لتستمتع وتسبح في أعماق الرياضيات لترى الجمال فيها.

الرياضيات، على الرغم من أنها
تتعامل بمنطق وجدّيّة، وترفض الآراء غير المستقيمة، فإنها تفسح المجال لك لكي
تتخيل من خلال المسائل اللفظية التي تربطك بالحياة والبيئة التي تعيش فيها. وعندما تقرأ المسألة تبدأ المشاهد تتوالى
أمامك، وكأنها قطعة من مسرحية جميلة قد تكون أنت أحد أبطالها. وكلما كان المعلم ذكياً ولديه الخيال، فإنه
يستطيع أن يحمل المتعلم على جناح طائر، فيعلمه، ليس بالقوانين والطرق التقليدية،
بل بالفهم والربط بالحياة. والجدير بالذكر
أن أفضل طريقة لتذكُّر معلومةٍ ما، ربطها بالحياة وبشيءٍ له أهمية عند الشخص
المتعلم.

الرياضيات مادة تراكمية، فهي كالهرم والبناء، له أساس،
ثم بعد ذلك يتم وضع الأحجار؛ فتعتمد على بعضها في الثبات، ولا يمكن أن يتم حذف أحد
الأحجار دون أن يؤثر ذلك على الأحجار الأخرى.
والرياضيات الحديثة ما كانت لتكون إلا بوجود نظريات سابقة، فهي تطوير لها
وتعميم وتحديث. فأنت لك المجال في وضع
الخطوط الجديدة، فلا تستهِن بنفسك؛ فكل إنسان له عقل يفكر به، وعلى الرغم من أن
الناس يختلفون في قدراتهم -كما يقولون- فقد تكون الصدفة الناتجة عن الاطلاع
والقراءة والتثقيف، طريقك لاكتشاف شيء جديد، ما كان سيكتشفه غيرك.

أما بالنسبة لمعلم الرياضيات، فيجب أن يجمع بين الرغبة
والقدرة، فتكون لديه الرغبة في تعليم الرياضيات، ولديه الحب لها، كما يكون قادراً
على حمل الأمانة التي رضي بحملها.
وبالنسبة للرغبة فهي شيء يُخلَق مع الإنسان، ولكن القدرة يتم اكتسابها من
خلال المطالعة والقراءة والسؤال وعدم الاكتفاء بما لدى المرء من معلومات.

وأخيراً أحبوا الرياضيات؛ فهي شيء مميز بين جميع المواد
الدراسية. وأسلوب التفكير في الرياضيات
يعلمنا كيف نفكر في حياتنا، كما أن تعلُّم الرياضيات بشيءٍ من الرغبة يجلو الضباب،
فاظهر التسلية والمتعة والتفكير والإبداع والخيال. ويا معلم الرياضيات، إذا فعلتَ ما يتوجب عليك
فعله، سيحب الطلبة حصتك، وهذا سيساعدك ويريحك في توصيل المعلومة، إذن أنت تعمل
لراحتك. أحبوا الرياضيات كما أُحِبُّها،
وانظروا إليها من عيني.